روى النسائي وابن ماجه في سننهما : من هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلوا البلح بالتمر ، فإن الشيطان إذا نظر إلى ابن آدم يأكل البلح بالتمر يقول : بقي ابن آدم حتى أكل الحديث بالعتيق " . وفي رواية : " كلوا البلح بالتمر ، فإن الشيطان يحزن إذا رأى ابن آدم يأكله يقول : عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق " ، رواه البزار في مسنده وهذا لفظه .
قلت : الباء في الحديث بمعنى : مع ، أي : كلوا هذا مع هذا قال بعض أطباء الإسلام : إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكل البلح بالتمر ، ولم يأمر بأكل البسر مع التمر ، لأن البلح بارد يابس ، والتمر حار رطب ، ففي كل منهما إصلاح للآخر ، وليس كذلك البسر مع التمر ، فإن كل واحد منهما حار ، وإن كانت حرارة التمر أكثر ، ولا ينبغي من جهة الطب الجمع بين حارين أو باردين ، كما تقدم . وفي هذا الحديث : التنبيه على صحة أصل صناعة الطب ، ومراعاة التدبير الذي يصلح في دفع كيفيات الأغذية والأدوية بعضها ببعض ، ومراعاة القانون الطبي الذي تحفظ به الصحة .
وفي البلح برودة ويبوسة ، وهو ينفع الفم واللثة والمعدة ، وهو رديء للصدر والرئة بالخشونة التي فيه ، بطيء في المعدة يسير التغذية ، وهو للنخلة كالحصرم لشجرة العنب ، وهما جميعاً يولدان رياحاً ، وقراقر ، ونفخاً ، ولا سيما إذا شرب عليهما الماء ، ودفع مضرتهما بالتمر ، أو بالعسل والزبد .
بسر : ثبت في الصحيح : أن أبا الهيثم بن التيهان ، لما ضافه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، جاءهم بعذق - وهو من النخلة كالعنقود من العنب - فقال له : " هلا انتقيت لنا من رطبه فقال : أحببت أن تنتقوا من بسره ورطبه " .
البسر : حار يابس ، ويبسه أكثر من حره ، ينشف الرطوبة ، ويدبغ المعدة ، ويحبس البطن ، وينفع اللثة والفم ، وأنفعه ما كان هشاً وحلواً ، وكثرة أكله وأكل البلح يحدث السدد في الأحشاء .
بيض : ذكر البيهقي في شعب الإيمان أثراً مرفوعاً : أن نبياً من الأنبياء شكى إلى الله سبحانه الضعف ، فأمره بأكل البيض . وفي ثبوته نظر ، ويختار من البيض الحديث على العتيق ، وبيض الدجاج على سائر بيض الطير ، وهو معتدل يميل إلى البرودة قليلاً .
قال صاحب القانون : ومحه : حار رطب ، يولد دماً صحيحاً محموداً ، ويغذي غذاءاً يسيراً ، ويسرع الإنحدار من المعدة إذا كان رخواً . وقال غيره : مح البيض : مسكن للألم ، مملس للحلق وقصبة الرئة ، نافع للحلق والسعال وقروح الرئة والكلى والمثانة ، مذهب للخشونة ، لا سيما إذا أخذ بدهن اللوز الحلو ، ومنضج لما في الصدر ، ملين له ، مسهل لخشونة الحلق ، وبياضه إذا قطر في العين الوارمة ورماً حاراً ، برده ، وسكن الوجع وإذا لطخ به حرق النار أو ما يعرض له ، لم يدعه يتنفط ، وإذا لطخ به الوجع ، منع الإحتراق العارض من الشمس ، واذا خلط بالكندر ، ولطخ على الجبهة ، نفع من النزلة .
وذكره صاحب القانون في الأدوية القلبية ، ثم قال : وهو - وإن لم يكن من الأدوية المطلقة - فإنه مما له مدخل في تقوية القلب جداً أعني الصفرة ، وهي تجمع ثلاثة معان : سرعة الإستحالة إلى الدم ، وقلة الفضلة ، وكون الدم المتولد منه مجانساً للدم الذي يغذو القلب خفيفاً مندفعاً إليه بسرعة ، ولذلك هو أوفق ما يتلافى به عادية الأمراض المحللة لجوهر الروح .[b]